سورة آل عمران - تفسير تفسير ابن جزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (آل عمران)


        


{الم (1) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (3) مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (4) إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (5) هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (6)}
نزل صدرها إلى نيف وثمانين آية لما قدم نصارى نجران المدينة المنوّرة يناظرون رسول الله صلى الله عليه وسلم في عيسى عليه السلام {الم} تقدّم الكلام على حروف الهجاء وقرأ الجمهور بفتح الميم هنا في الوصل لالتقاء الساكنين نحو من الناس، وقال الزمخشري: هي حركة الهمزة نقلت إلى الميم وهذا ضعيف لأنها ألف وصل تسقط في الدرج {الحي القيوم} ردّ على النصارى في قولهم إنّ عيسى هو الله لأنهم زعموا أنه صلب، فليس بحيّ وليس بقيوم {الكتاب} هنا هو القرآن {بالحق} أي تضمن الحق من الأخبار والأحكام وغيرها أو بالاستحقاق {مُصَدِّقاً} قد تقدّم في مصدّقاً لما معكم {بَيْنَ يَدَيْهِ} الكتب المتقدّمة {التوراة والإنجيل} أعجميان فلا يصح ما ذكره النحاة في اشتقاقهما ووزنهما {وَأَنزَلَ الفرقان} يعني القرآن؛ وإنما كرر ذكره ليصفه بأنه الفارق بين الحق والباطل، ويحتمل أن يكون ذكره أولاً على وجه الإثبات لإنزاله لقوله: {مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ}، ثم ذكره ثانياً: على وجه الامتنان بالهدى به، كما قال في التوراة والإنجيل {هُدًى لِّلنَّاسِ}، فكأنه قال: وأنزل الفرقان هدى للناس ثم حذف ذلك لدلالة الهدى الأول عليه، فلما اختلف قصدُ الكلام في الموضعين لم يكن ذلك تكراراً، وقيل: الفرقان هنا؛ كل ما فرق بين الحق والباطل من كتاب وغيره، وقيل: هو الزبور، وهذا بعيد {لاَ يخفى عَلَيْهِ شَيْءٌ} خبر عن إحاطة علم الله بجميع الأشياء على التفصيل، وهذه صفة لم تكن لعيسى، ولا لغيره، ففي ذلك ردّ على النصارى {هُوَ الذي يُصَوِّرُكُمْ} برهان على إثبات علم الله المذكور قبل، وفيه ردّ على النصارى؛ لأن عيسى لا يقدر على التصوير، بل كان مصوّراً كسائر بني آدم {كَيْفَ يَشَآءُ} من طول، وقصر، وحسن، وقبح، ولون؛ وغير ذلك.


{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (7) رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8) رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (9)}
{مِنْهُ آيات محكمات} المحكم من القرآن: هو البيِّن المعنى، الثابت الحكم، والمتشابه: هو الذي يحتاج إلى التأويل، أو يكون مستغلق المعنى: كحروف الهجاء، قال ابن عباس: المحكمات: الناسخاتُ والحلال والحرام، والمتشابهات المنسوخات والمقدّم والمؤخر، وهو تمثيل لما قلنا {هُنَّ أُمُّ الكتاب} أي عمدة ما فيه ومعظمه {فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ} نزلت في نصارى نجران فإنهم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: أليس في كتابك أن عيسى كلمة الله وروح منه؟ قال: نعم، قالوا: فحسبنا إذاً، فهذا من المتشابه الذي اتبعوه، وقيل: نزلت في أبي ياسر بن أخطب اليهودي وأخيه حيي ثم يدخل في ذلك كل كافر أو مبتدع، أو جاهل يتبع المتشابه من القرآن {ابتغاء الفتنة} أي ليفتنوا به الناس {وابتغاء تَأْوِيلِهِ} أي: يبتغون أن يتأوّلوه على ما تقتضي مذاهبهم، أو يبتغون أن يصلوا من معرفة تأويله إلى ما لا يصل إليه مخلوق {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ الله} إخبارٌ بانفراد الله بعلم تأويل المتشابه من القرآن، وذم لمن طلب علم ذلك من الناس {والراسخون فِي العلم} مبتدأ مقطوع مما قبله، والمعنى أن الراسخين لا يعلمون تأويل المتشابه وإنما يقولون: آمنا به على وجه التسليم والانقياد والاعتراف بالعجز عن معرفته، وقيل: إنه معطوف على ما قبله، وأن المعنى أنهم يعلمون تأويله، وكلا القولين مرويٌ عن ابن عباس، والقول الأول قول أبي بكر الصديق وعائشة، وعروة بن الزبير، وهو أرجح، وقال ابن عطية: المتشابه نوعان؛ نوع انفرد الله بعلمه، ونوع يمكن وصول الخلق إليه. فيكون الراسخون ابتداء بالنظر إلى الأول، وعطفاً بالنظر إلى الثاني {كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا} أي: المحكم والمتشابه من عند الله {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا} حكاية عن الراسخين، ويحتمل أن يكون منقطعاً على وجه التعليم والأوّل أرجح لاتصال الكلام، وأما قوله: {وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألباب}: فهو من كلام الله تعالى، لا حكاية قول الراسخين. أو منقطعاً فهو من كلام الله


{كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (11) قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (12)}
{كَدَأْبِ} في موضع رفع أي دأب هؤلاء كدأب {آلِ فِرْعَوْنَ} وفي ذلك تهديد {والذين مِن قَبْلِهِمْ} عطف على آل فرعون، ويعني بهم قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم، والضمير عائد على آل فرعون {بآياتنا} البراهين أو الكتاب {سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ} قرئ بتاء الخطاب ليهود المدينة، وقيل لكفار قريش، وقرئ بالياء إخباراً عن يهود المدينة، وقيل: عن قريش وهو صادق على كل قول، أما اليهود فغلبوا يوم قريظة والنضير وقينقاع، وأما قريش ففي بدر وغيرها. والأشهر أنها في بني قينقاع؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاهم إلى الإسلام بعد غزوة بدر، فقالوا له: لا يغرنك أنك قتلت نفراً من قريش لا يعرفون القتال فلو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس، فنزلت الآية: ثم أخرجهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8